آخر تقاليع رجال الأعمال: بنك الطعـام .. بشري لفقراء مصر المحروسة

كلنا يعلم بوجود بنوك للدم .. وبنوك للأموال.. وربما أيضا بنوك للفقراء، ولكن من منا يعلم بوجود " بنك للطعام"؟!

قد يبدو اسم هذا البنك عجيبا إلى حد ما ولكنه موجود في مصر.. فقد سعي بعض رجال الأعمال المصريين لإشهار جمعية خيرية تسمي "بنك الطعام"، هدفها توفير الغذاء للمحتاجين من الأيتام والمعاقين وكبار السن، بالتعاون مع فنادق ومطاعم عن طريق أخذ ما يتبقى فيها من أطعمة سليمة لإعادة تغليفها وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.


ورغم أن الجمعية أشهرت في عام 2004 فإن الانطلاق الفعلي لأنشطتها بدأ في أكتوبر "رمضان" 2005، بحفل حضره مجموعة من رجال الأعمال ومفتي مصر الدكتور علي جمعة ومسئولين عن جمعيات خيرية.


وقد أعلن حينها فضيلة المفتي أن المسلمين تقدموا في هذا المجال على جميع دول العالم منذ أكثر من1400 عام، حيث كان هناك ما يعرف بالوقف الذي يخصص إيراده لأغراض معينة، واعتبر فضيلته أن بدء نشاط بنك الطعام المصري فاتحة خير لإقامة بنوك أخرى، مثل بنك الكساء وبنك العفاف لمساعدة الشباب على الزواج، لما تحمله هذه الأفكار من إذكاء لروح التكافل الاجتماعي، وزيادة الدور التطوعي لرجال الأعمال والشخصيات العامة لحل مشاكل المجتمع.



معا ضد الجوع



ولعل الكثيرين لم يكونوا يعلموا بتفاصيل هذا المشروع الخيري، حتى تم الإعلان عنه في حلقه من برنامج "القاهرة اليوم " الذي فوجئنا فيه بهذا الصرح تحت شعار "معا ضد الجوع".


وقد أعلن "نيازي سلام" رئيس البنك في بداية الحلقة أن الهدف الأساسي له هو توفير الطعام للمحتاجين وغير القادرين على العمل، حتى يتم القضاء على مشكلة الجوع في مصر، حيث أن هذه الفكرة مطبقة في كثير من دول العالم، وأنها تتفق أكثر مع النظام التكافلي في الإسلام، ومن خلالها سيتم الانتفاع بالأغذية غير المستغلة والفائضة عن طريق جمعها من مصادر مختلفة، ثم يتم تعبئتها بشكل جيد وتوزيعها لتصل للمستحقين بطريقه تحفظ كرامتهم.


ويشير "سلام" إلى أنه بنجاح المرحلة الأولى من المشروع المتمثلة في تقديم الغذاء والطعام، سيتم الانتقال للمرحلة الثانية والخاصة بتقديم العلاج للمرضى المحتاجين. وأن عددًا من رجال الأعمال قد بدءوا استعداداتهم لمشاركة البنك في مشروعاته المقبله، مثل المطاحن والمخابز واستصلاح الأراضي والتغليف والتعبئة.


ويضيف أن البنك يقوم بتحديد طرق المساعدة في عمله لمن يرغب، وهي أمور متعددة من بينها التبرع المالي أوالعيني "بمواد غذائية صالحة"، أو المشاركة بالوقت عن طريق المساعدة في بحث الحالات اجتماعيًّا، وتوزيع المواد الغذائية أو نشر الفكرة والإرشاد عمن يحتاجون إلى المساعدة.



الخير كثير



ومن خلال البرنامج أخذ يشرح كل القائمين على الفكرة كيفية عمل البنك، مشيرين إلى أن العمل يبدأ بجمع البيانات عن المستحقين وتحديد أماكنهم ليسهل الوصول إليهم. بالاستعانة بالجمعيات الأهلية التي سبقت في هذا المجال.


ويؤكد معز الشهدي رئيس إحدى الشركات العالمية لإدارة الفنادق، وأحد رجال الأعمال المؤسسين لهذه الجمعية الخيرية، أن هناك أمثلة أخرى لكيفية الاستفادة من الطعام "الفائض" وليس "الفضلات" في الحفلات الضخمة التي تقام في مصر. وأن البنك نجح في توزيع 11 مليون وجبه شهريا كان يتم التخلص منها. ويضرب مثلا على ذلك بتحويل فائض بوفيه مفتوح لأحد الحفلات الضخمة إلى وجبات تم إعدادها للبنك، ووصلت إلى 130 عبوة تم توزيعها مباشرة على المستحقين الذين سبق وتم عمل بحث حالة لهم، وذلك من خلال سيارة مجهزة حملت إليهم الطعام وسلمته لهم في منازلهم ساخنا ومغلفا بعد ساعتين فقط من انتهاء الحفلة.


يقول "الشهدي" : من خلال عملي وخبراتي في المجال الفندقي كنت أدرك كم الفائض والفاقد الهائل الذي ينتج عن الحفلات والبوفيهات المفتوحة؛ لذا أضفت في دعوة الحفل الذي أقامته شركتنا مؤخرًا ودعت إليه 60 مدعوًّا عبارة تقول: "مستحقو بنك الطعام المصري مدعوون معكم في هذه الاحتفالية".


ويشدد الشهدي على أن هناك فرقًا بين الفائض والفضلات، ففضلات الحفلات مصيرها صندوق القمامة، أما الفائض فالمقصود به الموجود بالفعل على البوفيه ولم يتم الإجهاز عليه ووضعه في الأطباق، بحيث لو كان هناك ضيف تأخر عن البوفيه وحضر للحفل يمكنه تجهيز طبق منها، وهذا الفائض هو ما يتم تجهيزه وإعداده في أطباق فاخرة ومغلفة، تصل للمستحقين في بيوتهم معززين مكرمين.


أما التبرعات المالية فقد تحدث عنها رجل الأعمال باستفاضة قائلا أنه يتم استخدامها في تجهيز عدد من الحقائب، تحتوي على متطلبات أساسية تكفي الاحتياجات الشهرية للأسر المحتاجة من بقول وزيت وسكر وسمن ودقيق ومكرونه وأرز، ويتم التأكد من أن جميع المنتجات غير منتهية الصلاحية طبقا لتوجيهات الدكتور رضا سكر نائب رئيس مركز تكنولوجيا الصناعات الغذائية.



أهلا بالطعام



وعن أهمية دور المؤسسات الاجتماعية والمبادرات الأهلية في علاج الفقر والمشكلات الاجتماعية.. يقول الخبير التنموي د. سيد دسوقي حسن لـ مجلة "العالمية": أهلا ببنك الطعام، مادام يحترم مشاعر الفقراء والمحتاجين .

ويتابع : أثبت الواقع نجاح هذه المؤسسات في مساعدة الأسر الفقيرة، حيث ساهمت بفاعلية في مكافحة ظاهرة عمل الأطفال والتسول والتشرد، وغيرها من الظواهر السلبية التي أفرزتها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة والمزمنة، مثل "برنامج إغاثة المراهقين وجمعيات خدمة الفلسطينيين، والجمعية الشرعية والتنموية وغيرها من المؤسسات.


ويرجع د. "دسوقي" مشكلة الفقر التي يعاني منها نصف سكان مصر إلى غياب العدالة، حيث تسيطر قلة من الناس تملك السلطة والمال على مقدرات الأغلبية من البشر، الذين لا يملكون شيئا ولا يجدون الفتات. فلب المشكلة أن هناك أناسا يزدادون تخمة، وآخرين لا يجدون قوت يومهم.


أعطه فأسا


أما د. محمد موسى بشير الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة ماليزيا فيقول "لنفس المجلة "حول رؤيته للأهداف التي سيحققها البنك، أن الدور الحقيقي لرجال الأعمال لمجابهة الفقر يستلزم تفعيل الأداء الاقتصادي للزكوات والصدقات والوقف، انطلاقا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أعطه فأسا"، فلابد من تنسيق الجهود بين رجال الأعمال والجمعيات الأهلية لإيجاد فرص عمل للشباب العاطل، وتدريب النساء على الصناعات اليدوية التي تدر عائدا ماليا يقي الأسر المعوزة الفقر.


ويضيف أستاذ الاقتصاد أن أكثر الفئات الاجتماعية حاجة للأمن الاقتصادي هم الذين يبلغون الشيخوخة والعجزة والمعاقون والأطفال والأشخاص الذين يعانون من وطأة الفقر المدقع، والعاطلون عن العمل بسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتهم، لذا فإن توفير الطعام للأسر الفقيرة يعد هدفا ساميا لما يوفره من عناصر الأمن الاقتصادي الذي يتحقق بحصول الإنسان على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج، خاصة في الظروف التي يواجه فيها كارثة طبيعية أو ضائقة اقتصادية، ويرى أن بنك الطعام بدأ بأولي هذه العناصر وهو المأكل، والأمل كبير في وجود بنوك أخرى لباقي العناصر .

الموضوع منقول ................................بس ايه رايكم