القصة الحقيقية لمسلسل "في أيد أمينة" ليسرا

في بيت نادية

بدأت القصة في عام ١٩٨٤ حين نشر خبر صغير في جريدة «الأهرام» بصورة لطفل مصري يشك الإنتربول في أنه اختطف من مصر إلي الأردن ويطلب ممن يعرف أي تفاصيل أن يسارع بالإدلاء بها، وقتها التقط قسم الحوادث بمكتب مجلة «سيدتي» في القاهرة الخبر، وقرر إبراهيم حجازي الذي كان مديراً لمكتب القاهرة حينها أن تبحث المجلة في هذه القصة، وبعد بحث مضن في الأقسام والمديريات وجد أحد المحررين بلاغاً من سيدة تسمي «نادية» بمنطقة عين شمس تفيد أن طفلها «أحمد» مختطف منذ ٩ أشهر ويحمل نفس المواصفات تقريباً، وحين ذهب المحرر للسيدة وشاهدت صورة الطفل انهارت تماماً.
تبنت مجلة «سيدتي» القصة وقتها وقررت أن ترفع قضية ضد السيدة التي تدعي أنها أم الطفل في الأردن رغم أن أوراقها بالكامل سليمة، وبعدها كلف إبراهيم حجازي المصور عادل مبارز بأن يتابع القضية ويسافر مع «نادية» إلي الأردن وأن يرصد بعين المصور مدي صدق هذه السيدة.
قبل السفر بيوم ذهب مبارز إلي منزل نادية وتعرف عليها وعلي زوجها بائع الفول والطعمية بمنطقة عين شمس، وصور أبناءها الأربعة الموجودين بالمنزل، ويقول مبارز: «يوم ذهبت إلي نادية لم أعرف تحديداً ما يحركني لكن شعوراً إنسانياً يفوق الشعور الصحفي تغلب علي، ربما لأن السيدة كانت فقيرة ومكلومة، أو لأن طفلها المختطف كان يماثل عمر ابني وقتها فلم يكن تجاوز ٣ أعوام ونصفاً، أياً كان السبب فقد تغلب علي شعور بأن الأقدار ساقتني إلي هذه السيدة لأكون سبباً في إسعادها مرة أخري.

الرحيل إلي الأردن

في اليوم التالي سافر مبارز مع نادية التي ـ وكما يقول ـ لم يطرف لها عين طوال الطريق وكانت تنظر إلي المجهول، أخرج مبارز الكاميرا الخاصة به وصورها فلم تلتفت ولم تقل كلمة حتي ساوره الشك من سلوك السيدة، ويوم وصلت الطائرة قابل مبارز مراسلة المجلة في الأردن «ليما نبيل» ووالدها «شفيق نبيل» الذي يعمل محامياً والذي تبني القضية، وذهبوا إلي القاضي الذي حدد جلسة في اليوم نفسه في قاعات ابتدائية «أي لم تكن المحاكمة في قاعات علنية»، فأحضر مبارز نادية من الفندق وجلسا في انتظار القضية.
ويقول مبارز: «كنا في ردهات المحكمة في قاعة انتظار طولها ١٥ متراً، أذكر أنني كنت أطمئن السيدة حتي وجدتها تنتفض من مكانها وتصرخ بشكل هستيري علي ابنها وتجري إلي أبعد نقطة في الردهة بمجرد أن رأته مع السيدة الثانية، وظلت تصرخ حتي خرج القضاة من قاعاتهم ليروا المشهد، ثم اختطفت الطفل في حضنها وظلت تبكي، ولم تقم السيدة الأخري التي تسمي «نفيسة» بأي فعل يدل علي أنها أم الطفل وأن هذا الطفل انتزعته سيدة أخري من بين يديها، وهو ما حاولت أن أسجله بالكاميرا، كان كل ما الفلاش يشحن ألتقط صورة، وكانت نظرات نادية التي حاول العساكر أن يبعدوها عن الطفل تستغيث بي وتتوسل وكأنها تطلب أن أساعدها، وقتها تيقنت أن هذا الطفل ابنها خاصة أنه يشبه إخوته الذين رأيتهم في الليلة السابقة في عين شمس» ـ بعدها بشهور نال مبارز عن تلك الصور جائزة أفضل صورة صحفية في معرض أقيم في جنيف في سويسرا.

الجلسة الأولي

لم يسمح لأي شخص سوي أطراف القضية بالحضور، وفوجئت نادية بأن المحامي الذي تطوع للدفاع عن «نفيسة» واحد من أكبر المحامين وأكثرهم اهتماماً بالقضايا العامة التي تكسبه شهرة ـ بعدها بنحو ٢٠ عاماً كان رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي صدام حسين ـ وبعد أن استمع القاضي إلي الطرفين أمر بوضع الطفل في دار للرعاية وأمر بنظر القضية بعد أسبوعين حتي يتم إحضار ٧ من الشهود من مصر من بينهم ابن «نفيسة» من زوجها الأول وزوج ابنتها وهما المتهمان في تهريب الطفل من مصر للأردن.
بعد الخروج من القاعة اجتمعت الصحافة المصرية حول نفيسة وزوجها الذي كان يتحدث بصدق ولهفة علي الطفل جعلا الشك يساور مبارز للمرة الثانية، بينما رفض أن تصرح نادية بأي شيء حتي لا يضيع انفراد جريدته، وهو ما جعل الصحفيين شديدي التحامل علي نادية واتهامها بأنها لم تتحدث للصحافة لأنها كاذبة.
طلب مبارز بعد الجلسة من القاضي أن يحاول تحديد جلسة في وقت أسرع إذا تم توفير الشهود لأن المجلة كانت تتحمل كل تكاليف السفر والإقامة فأخبره بأنه لحظة اكتمال الشهود سيعقد جلسة في اليوم نفسه، بعد عودة مبارز للفندق اتصل بمقر الجريدة وبمعاونة الشرطة المصرية، وتم جمع كل الشهود في الليلة ذاتها وتسفيرهم إلي الأردن في اليوم التالي، والتي عقد فيها القاضي جلسة عاجلة، واستمع للشهود وطلب تحليل الدم وقرر التأجيل.
وتكرر نفس سيناريو الصحفيين الأردنيين، ويقول مبارز: «وجدت أن الرأي العام ضد نادية وأن مصلحة السيدة فوق مصلحة انفراد المجلة بكلامها فطلبت من مكتب القاهرة الصور التي صورناها في منزلها وأن نسمح لها بالحديث للصحافة الأردنية، وأعددت ليلتها ملفاً صحفياً فيه كل التفاصيل والصور الخاصة بملابسات القضية ووزعته علي الصحفيين حتي نستعيد الرأي العام مرة أخري وقد كان».

السجن ٦٠ ساعة

تحليل الدم أثبت أن هذا الطفل لا يمكن أن يكون ابنا لزوج نفيسة لكنه من المحتمل أن يكون ابن نادية، وهو ما استغله المحامي وقتها بأن أكد كلام المحكمة بأن هذا الطفل ليس ابن الرجل لكنه ابن السيدة التي قد تكون حملت به بالخطأ حتي يكسب القضية بأي طريقة، ويقول مبارز «لاحظت أن موقف نفيسة بدأ يضعف فأقنعتها بعد الجلسة بالاعتراف لي وقمت بتسجيل اعترافها علي شريط كاسيت عرضته علي هيئة المحكمة في اليوم التالي ونشرت اعترافها علي صفحات المجلة، وهو ما جعل المحامي يتنحي عن القضية ويرفع قضية مستعجلة يتهمني فيها بالنشر الكاذب أمام محكمة أخري.
ويكمل مبارز: «طلبني القاضي وسألني سؤالاً واحداً هل أنت مذنب فأجبت بالنفي فأمر بسجني لمدة ١٨ يوماً نظراً لضيق وقت المحكمة، ظللت بعدها مسجوناً لمدة ٦٠ ساعة قبل أن تتدخل نقابة الصحفيين الأردنية بالإفراج عني لأن الأردن لا يمكن أن تحاكم صحفياً علي مادة صحفية يتم نشرها في صحف أجنبية».

العودة إلي مصر

خرج مبارز من السجن وبعدها بيوم واحد، عقد القاضي جلسة علنية، وأصدرت المحكمة حكماً بأحقية نادية بالطفل، وأن نفيسة اختطفته لتوهم زوجها الأردني أنه ابنه وترثه، بعدها عاود المحامي في الظهور في الصورة مرة أخري ورفع دعوي إثبات نسب لصالح نفيسة، وحينها أشار المحامي «شفيق نبيل» علي مبارز سرعة الرجوع بالطفل إلي مصر لأن دعوي النسب الجديدة قد تستمر سنوات، وبالفعل بعد مساعدة السفارة المصرية وقبل أن يمر يوم علي صدور الحكم خرجت نادية من الأردن لتعود إلي الشارع الضيق الذي تسكنه في عين شمس، تحمل بين يديها ابنها «أحمد»، تنظر إليه بين الحين والآخر وتبكي ثم تقبله فتهدأ وتتذكر فتبكي مرة أخري حتي أدخلته بيته مرة أخري بين إخوته.
بعدها ظل الطفل يعاني لفترة من حالة اضطراب نفسي وخوفاً من أمه الحقيقية «نادية» بسبب خوفه الدائم من أن تمص دمه وهو نائم كما قالت له «نفيسة»، وتبني الطبيب النفسي الراحل عادل صادق حالته حتي استعاد اتزانه النفسي.